{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26)}قوله تعالى: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} هم قوم صالح كذبوا الرسل ونبيهم، أو كذبوا بالآيات التي هي النذر {فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ} وندع جماعة. وقرأ أبو الأشهب وابن السميقع وأبو السمال العدوي {أبشر} بالرفع {واحد} كذلك رفع بالابتداء والخبر {نَتَّبِعُهُ}. الباقون بالنصب على معنى أنتبع بشرا منا واحدا نتبعه. وقرأ أبو السمال: {أبشر} بالرفع {منا واحدا} بالنصب، رفع {أبشر} بإضمار فعل يدل عليه {أَأُلْقِيَ} كأنه قال: أينبأ بشر منا، وقوله: {واحِداً} يجوز أن يكون حالا من المضمر في {مِنَّا} والناصب له الظرف، والتقدير أينبأ بشر كائن منا منفردا، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في {نَتَّبِعُهُ} منفردا لا ناصر له. {إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ} أي ذهاب عن الصواب {وَسُعُرٍ} أي جنون، من قولهم: ناقة مسعورة، أي كأنها من شدة نشاطها مجنونة، ذكره ابن عباس. قال الشاعر يصف ناقته:تخال بها سعرا إذا السفر هزها *** ذميل وإيقاع من السير متعبالذميل ضرب من سير الإبل. قال أبو عبيد: إذا ارتفع السير عن العنق قليلا فهو التزيد، فإذا ارتفع عن ذلك فهو الذميل، ثم الرسيم، يقال: ذمل يذمل ويذمل ذميلا. قال الأصمعي: ولا يذمل بعير يوما وليلة إلا مهري قاله ج.وقال ابن عباس أيضا: السعر العذاب، وقاله الفراء. مجاهد: بعد الحق. السدي: في احتراق. قال:أصحوت اليوم أم شاقتك هر *** ومن الحب جنون مستعرأي متقد ومحترق. أبو عبيدة: هو جمع سعير وهو لهيب النار. والبعير المجنون يذهب كذا وكذا لما يتلهب به من الحدة. ومعنى الآية: إنا إذا لفي شقاء وعناء مما يلزمنا. قوله تعالى: {أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا} أي خصص بالرسالة من بين آل ثمود وفيهم من هو أكثر مالا وأحسن حالا؟! وهو استفهام معناه الإنكار. {بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} أي ليس كما يدعيه، وإنما يريد أن يتعاظم ويلتمس التكبر علينا من غير استحقاق. والأشر المرح والتجبر والنشاط. يقال: فرس أشر إذا كان مرحا نشيطا، قال امرؤ القيس يصف كلبا:فيدركنا فغم داجن *** سميع بصير طلوب نكرألص الضروس حني الضلوع *** تبوع أريب نشيط أشروقيل: {أَشِرٌ} بطر. والأشر البطر، قال الشاعر:أشرتم بلبس الخز لما لبستم *** ومن قبل ما تدرون من فتح القرىوقد أشر بالكسر يأشر أشرا فهو أشر وأشران، وقوم أشارى مثل سكران وسكارى، قال الشاعر:وخلت وعولا أشارى بها *** وقد أزهف الطعن أبطالهاوقيل: إنه المتعدي إلى منزلة لا يستحقها، والمعنى واحد.وقال ابن زيد وعبد الرحمن بنحماد: الأشر الذي لا يبالي ما قال. وقرأ أبو جعفر وأبو قلابة {أشر} بفتح الشين وتشديد الراء يعني به أشرنا وأخبثنا. {سَيَعْلَمُونَ غَداً} أي سيرون العذاب يوم القيامة، أو في حال نزول العذاب بهم في الدنيا. وقرأ ابن عامر وحمزة بالتاء على أنه من قول صالح لهم على الخطاب. الباقون بالياء إخبار من الله تعالى لصالح عنهم. وقوله: {رَغَداً} على التقريب على عادة الناس في قولهم للعواقب: إن مع اليوم غدا، قال:للموت فيها سهام غير مخطئة *** من لم يكن ميتا في اليوم مات غداوقال الطرماح:ألا عللاني قبل نوح النوائح *** وقبل اضطراب النفس بين الجوانحوقبل غد يا لهف نفسي على غد *** إذا راح أصحابي ولست برائحوإنما أراد وقت الموت ولم يرد غدا بعينه. {مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} وقرأ أبو قلابة {الأشر} بفتح الشين وتشديد الراء جاء به على الأصل. قال أبو حاتم: لا تكاد العرب تتكلم بالأشر والأخير إلا في ضرورة الشعر، كقول رؤبة:بلال خير الناس وابن الأخير ***وإنما يقولون هو خير قومه، وهو شر الناس، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقال: {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً}. وعن أبي حيوة بفتح الشين وتخفيف الراء. وعن مجاهد وسعيد بن جبير ضم الشين والراء والتخفيف، قال النحاس: وهو معنى {الْأَشِرُ} ومثله رجل حذر وحذر.